Friday, July 5, 2013

الأميرة ذات الذيل المعدول

أوقفت السيارة وأخذت نفسا عميقا. نظرت إليها اسأل باحثا عن الطمأنينة "هل سنجدها اليوم؟" ابتسمت في وجهي ،، مدت يدها لتشد على يدي. مشينا نحو الباب الزجاجي ،، انفتح الباب الأوتوماتيكي وحده قائلا "مرحبا" ،، هل الأبواب تتحدث أم أن الأمل أحيا الجماد  ،، كلا فالباب يفتح لكل من يقترب منه ولكني أرفض ذلك ،، أريد للباب أن يرحب بي ،، أن يقول "مرحبا" اليوم. لم تكن تلك المرة الأولى التي أقبل فيها على ذلك الباب ولكنها المرة الأولى التي كان بيننا ذلك الحديث ،، إنه اليأس.

في أول مرة كانت روحي تضحك معها حين أدركنا أنها ربما ستكون هناك ،، أنها ربما ستهل وستضيئ يومنا وغدنا. لم أستطع في ذلك اليوم الذي أدركنا فيها الفرصة أن أتحمل إشارات المرور. كانت الإشارة الحمراء متململة على حسابي. كيف ذلك وكنت أقف عندها كل يوم على مر سنين؟ أحدق النظر آمرا أن تتحول إلى الأخضر ،، كي أسرع إليها ،، لم أكن لأتحمل لو أني تأخرت. "آه؛ المعذرة مستر لقد كانت هنا بكل الأوصاف التي ذكرتها - حظا أفضل في المرة القادمة" كانت هي العبارة التي أخاف سماعها. لم يقلها أحد يومها ولكن خيالي الشيطاني كان يكررها. أعلم أنه كان يقهقه في كل مرة ينبض قلبي متوجفا سماع مثل تلك الجملة.

تحولت الاشارة إلى الخضراء ،، أسرعت وكأني في سباق مع كل من حولي ،، رغم أن كلا منهم له وجهة ومغزى غير وجهتي ،، وبالتأكيد غير المغزى. فمن يعرف بأني أبحث عن الأميرة؟!؟! أوقفت السيارة ونزلت مسرعا ممسكا بيدها ،، لا بل أقودها من يدها. ضحكاتي متوترة وضحكاتها متفائلة. فتح الباب من على بعد خطوات ،، هرولنا.

سألت عند الاستعلامات "هل وصلوا أم أن هناك تأخير؟" قلتها بصوت الأمل المرتع، قال "لقد تأخرت فلم يبقى إلا قلة منهم". حاورت القدر "إن كانت من ضمنهم فأنا متأكد أني سأراها ،، أليس كذلك؟"  لم أكن أدرك أن لساني فضح حواري مع القدر. أجابتني "بالتأكيد إن كان هو المكتوب". لم يعجبني قولها ،، تركت يدها ومشيت أمامها لكي أرى الوجوه لعل الأميرة تكون من بينهم ،، سبحت عينايا أنظر صوبهم ،، حتى آخرهم ،، ولكنها لم تكن من بينهم.

يوم الخميس كان الموعد الأسبوعي ،، أسبوعا بعد أسبوع. أذهب وتذهب معي. في الأسابيع الثلاث الأول كان التفاؤل عن يميني يساندني رغم مراوغة القدر. الأسابع الخمس التالية كان التشاؤم تاج حط بثقله على رأسي. ومن بعدها أسابيع التساؤل والشك سبعة يتكرر في ذهني صوت يقول "لن أراها ولن تراني"، ولكن الخوف من ضياع الفرصة فرض نفسه علي فذهبت كل خميس. استمر الحال فصلا ،، استبدلت الأشجار خضارها ببراعم عارية ،، كانت دنيايا ملونة بأوراق خضراء وعصافير وأطياف فأصبحت دون لون ولا روح.

الشيخ الملتحي بالبياض نفث بزفيره فكان شتاءً قارصا قبل الأوان. لم أتخاذل ،، "إنه الخميس، لنذهب" قلتها بتململ وأنا أضع الجاكيت الثقيل كدرع أواجه فيه معركة الخروج من المنزل ،، لم يعد يدفعني الأمل ولا يحثني التشاؤم ولا حتى الشك ،، الآن هي العادة. العادة التي ألغت الفكر وأنهت الرغبات والأحاسيس فأجدني كما الباب الأوتوماتيكي أركب السيارة كل خميس كطواف العبادة.

لقد أصبح الذهاب كل خميس أهم الطقوس الروحانية ،، لا أعلم لماذا ألتزم به ،، لا أعلم إن كان من ورائه منفعة ،، لا أعلم إن كان واجبا علي أن أفعله أو أني أسبح في أوهام الأمل أو أني أراوغ شبح الخوف وضياع الفرصة ،، لا أدري. لعلي لم أرغب في أن أستسلم. فإذا استسلمت لن أعرف إن كان القدر قد أراد لي أن أجدها ولكني لم أفعل أم أن القدر هو الذي يدفعني دون قرار مني ،، قررت للقدر أن يؤكد لقاءنا. قمت من قعود مستعدا لأداء الواجب الأسبوع ولك في هذه المرة قالت "لن أذهب معك فأنت تنتظر وهما لن يأتي". لم أجرؤ على قول كلمة ولا أن أظهر عدم الرضا ،، اعتقدت للحظة أن أمثّل دور الغاضب ،، لكي أؤكد أني مازلت مؤمنا ،، أني ما زلت متشبثا ،، أني مازلت ملتزما بهذه المهمة التي بدأنها سويا ،، ولكن ذلك ظلم لها زيادة على الظلم الذي أكتسبه كل خميس.

بدأ الغضب يجري في عروقي "كيف تجرؤ أن تحلق معي في حلمنا المشتر ،، ترفعني معها وفي لحظة غير متوقعة تتركني أسقط وحدي؟! ،، يا لها من عاهرة!" ،، الشرور أنواع ولكن في حينها لم أدرك أني كنت أرغب في أن أجد الأميرة نكاية بشريكتي وليس من أجل شراكتنا ،، أشعر بالأسى نحو ذلك الشخص الذي جسّدته في تلك اللحظة الصبيانية. أوقفت السيارة كما هي العادة ،، انفتح الباب ،، فتحت فمي عند الاستعلام وقبل أن أسأل سؤالي المعتاد "توقيتك جيد هذه المرة" قالها بابتسامة "أعتقد أنك ستجد من تبحث عنها اليوم!" ركضت إلى الداخل. لم أعاينها من أول وهلة ،، نظرت مرة أخرى ،، ركزت ،، أيقنت أنها هي ولكن هناك حاجز بيني وبينها.  

هي لا تعرفني ،، فلم نلتقي من قبل ولكني أعرف أنها هي ،، لا أستطيع تأكيد ذلك إلا بقلبي. عدت مسرعا إلى كاونتر الاستعلام "لقد رأيتها" قلتها بصوت مرتفع وتابعت "أريدك أن تأخذني إليها كي أقابلها" قام من مقعده ومشى من حول الكاونتر ليخرج إلي "أخيرا سأتخلص منك ومن موعدك الأسبوعي" قال مازحا. تابعت المشي خلفه إلى منطقة ما بعد الحاجز ،، اقتربت مؤكدا "أخيرا أقابلك ،، لقد أتيت هنا كل خميس مستبشرا بلقائك!!" كانت باردة في ردها ،، بقيت محدقة النظر في وجهي كأنها تقول "من هذا الغريب؟"

نظر نحوي رجل الاستعلامات "لا تحزن فسعادتنا في اللقاء في بعض الأحيان تقابل بعدم الاكتراث" ،، نظرت إليه مكسورا "ولكني انتظرت هذه اللحظة منذ أشهر" ،، أدرك أن عليه أن يواسيني ويقول كلمات تشجعني "حتى وإن كانت أميرة فهي كلبة لم ترغب بها العائلة التي كانت تملكها ،، أشكرك على تبنيها من ملجأ الكلاب والقطط" ،، ابتسمت "نعم فضلت أن أنقذ كلبة على أن أشتري واحدة" ،، وضع يده على كتفي وقال "لا تصدق من يقول أن ذيل الكلب عمره ما ينعدل ،، سوف تجد هذه الأميرة سعيدة بقدومك وتحزن لذهابك بعد أن تصبح كلبة المنزل"

وليد جواد

No comments:

Post a Comment