Sunday, July 21, 2013

الرحمة لك يا هيلين توماس

إنجازات هيلين توماس كثيرة ومبهرة للمرأة الأمريكية وللعمل الصحفي في الولايات المتحدة ولكن ليست هيلين صاحبة الانجازات ذات لقب عميدة صحافي البيت الأبيض هي التي عرفتها. لقد عرفت هيلين العربية الأمريكية ذات الضمير النابض بألم وويلات العرب والفلسطينيين خاصة. عرفت هيلين التي كانت دائما مستعدة لمد يد العون المهني لصحفي يخطوا أولى خطواته في واشنطن في منتصف التسعينيات. عرفت هيلين توماس التي لم تبخل بوقتها لكي تدفع الصحفيين العرب الأمريكين إلى الأمام في مجال يكتظ بالكفاءات المبهرة.

كنت في طريقي مع طاقم التصوير إلى البيت الأبيض كمنتج لأخبار MBC في واشنطن عندما إستوقفتني مذيعة الأخبار لوكالة UPI الشركة المملوكة كذلك لأرا لتطلب مني أخذ مظروف إلى هيلين توماس مراسلة الوكالة إلى البيت الأبيض. حينها كانت هيلين توماس إسم مخضرم ولكنني لم أهتم فالوكالة كانت تعج بأسماء صحفية كنت أسمع بها قبل مجيئي من السعودية إلى واشنطن. قابلتها هناك وأعطيتها المظروف فسألتني "هل أنت زميل جديد؟" قلت "نعم ولكن للجانب العربي في MBC" ابتسمت ثم قالت بالعربية "شكرا" لا أخفيكم أني صعقت حيث لم أكن أعلم شيئا عن أصولها العربية فالاسم ليس فيه أي دلالة.

سألت عنها فعلمت بفخرها بأصولها العربية والتزامها بمساءلة الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن سياساتها تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية المهمة. بدأت في التواصل معها بشكل دوري نناقش قرارات السياسة الأمريكية وننتقد بعض تواجهاتها ونأتي بخيارات أفضل. الحديث كان ينتهي دائما بانتقادها لسطوة اللوبي الصهيوني على قرارت أمريكا فيما يخص العالم العربي. لم أكن لأناقشها في ذلك احتراما لها ولمكانتها ولكني دائما كنت أسأل نفس الأسئلة التكميلية "ألا تعتقدين أن المشكلة ليست في سطوة اللوبي الصهيوني بل في مقدار ضعف اللوبي العربي؟ ألا تعتقدين أن اللوبي العربي دخل اللعبة السياسية حديثا وهو في طور فهم اللعبة السياسية؟ ألا تعتقدين بأن معظم الدول العربية لا يدرك أنها عندما تستعين بلوبي للتأكيد على مصلحتها الخاصة أنها في العادة تؤدي إلى إضعاف الدول العربية الأخرى؟"   

الإختلاف الفلسفي لم يكن ليفسد النقاش ولكني لم أكن لأتوقع بأنها مع مرور الوقت أنها سوف تفصح عن آرائها الشخصية اللاذعة ضد إسرائيل علانية ولأي شخص يسألها في قارعة الطريق. قوبل تعليقها الذي مفاده أن على الإسرائيلين العودة إلى الدول التي قدموا منها بكثير من الاستياء وبالفعل تقاعدت منهية حياتها الصحفية على وقع هذه "الخطيئة" في عام ٢٠١٠. مع الأسف ما زال الوضع قائما حتى اليوم. انتقاد إسرائيل بشكل "غير دبلماسي" سيعتبر معاداة للسامية ومن الصعوبة بمكان أن ينتقد أن شخص طموح إسرائيل دون أن يذوق العلقم. ليس لأن اللوبي الصهيوني له مقدرة خفية على معاقبة معاديه بل لأن اللوبي الصهيوني تمرّس منذ زمن بعيد في اللعبة السياسية الأمريكية. أدرك اللوبي أنه إذا رغب في التأثير على قرارات السياسة الأمريكية الخارجية فعليه أن يكون مؤثرا في السياسة الداخلية وخاصة في السباقات الانتخابية.

إغداق اللوبي الصهيوني بالمال على المرشحين الانتخابيين لا يأتي مشروطا ولكن من ذا الذي سيأخذ أموالا من مجموعة ضغط سياسي دون أن يفعل كل ما في وسعه على إسعاد "المستثمرين"؟! حتى وإن لم يستطع المرشح بعد فوزه بالمقعد السياسي أن يسعد اللوبي فلن يقوم اللوبي بمحاربة ذلك الشخص علانية بل يكفي بأن يمتنع عن "التبرع" المالي تجاه حملة إعادة انتخابه. ومن المرجح أن يستثمر اللوبي أمواله في غريمه أي المرشح الذي يأمل في الاطاحة به. لا يعتقد اللوبي الصهيوني بأن ما يدفعه من أموال هي استغفال لهم أو "ضحك على الذقون" وذلك ما على العرب أن يعوه. ذلك هو جوهر خلافي مع المرحومة هيلين: المشكلة هي فينا نحن ويجب أن نكون على قدر من الذكاء لأن ندرك بأن الحسد الذي نملكه تجاه نجاح اللوبي الصهيوني ماهو إلا خيار عديمي الحيلة.

لو أن هيلين توماس لم تشاركني أفكارها ولم تشجعني في عملي المهني ولم تنتقدني حين اعتقدت أني أخطأت الاختيار لكنت قد استسلمت عن العمل في المجال الإعلامي. رحمك الله يا هيلين ذات الشجاعة الأدبية والأخلاق النبيلة والضمير الحي لقد تركتينا دون بوصلة توجه أمريكا نحو الشرق.    

وليد جواد


نشرت أولا في إيلاف ٢١ يوليو ٢٠١٣
http://goo.gl/1ALOqY


No comments:

Post a Comment