Thursday, August 26, 2010

لا تلم حامل الرسالة

بقلم سينتيا وونغ


تحميل مقدمي خدمات الإنترنت مسؤولية المواد المسيئة التي ينشرها زبائنهم يمكن أن يبطئ الابتكار والتوسّع في تكنولوجيات الاتصالات.

وونغ هي زميلة كرسي رون بليسر ومحامية تعمل لدى مركز الديمقراطية والتكنولوجيا (CDT)، وهي منظمة تدافع عن المصلحة العامة تكرس جهودها لإبقاء الإنترنت مفتوحة، ومبتكرة، وحرة. تساعد السيدة وونغ في قيادة وعمل مركز الديمقراطية والتكنولوجيا في مجال حرية الإنترنت العالمية. يظهر هذا المقال في مطبوعة المجلة الإلكترونية آي جورنال يو أس آيه "تحديد حرية الإنترنت."

عندما وجدت محكمة إيطالية أن غوغل تتحمل المسؤولية عن شريط فيديو نشره طرف ثالث في أحد مواقع شركة الإنترنت العملاقة، وفّرت بذلك مثالاً مذهلاً عن مسؤولية الوسيط. شركة غوغل، مضيفة المنصة، كانت الوسيط بين مبتكر المحتوى الذي أعد شريط الفيديو ومستهلكي المحتوى الذين شاهدوه. يشمل الوسطاء الآخرون مقدمي خدمات الإنترنت، ومنصات التجارة الإلكترونية، ومنصات الشبكات الاجتماعية مثل أوركوت، فيس بوك، ويوتيوب. تؤمن هذه الخدمات منتديات مفتوحة ثمينة للمحتوى الذي يعده المستخدم، وكثيراً ما تكون مجانية وتحتاج إلى قدر ضئيل من المعرفة الفنية لاستعمالها.

تعني الطبيعة المفتوحة لهذه الخدمات أيضاً انه يمكن استعمالها للأغراض الشريرة وللأغراض الحسنة. والحكومات التي ترغب في وضع رقابة على التعبير الحر أو معالجة السلوك المؤذي على شبكة الإنترنت العالمية تسعى في أحيان كثيرة إلى ممارسة الضغط، والتخويف، أو تعمد بصورة ماكرة أكثر، إلى تحميل وسطاء الإنترنت مسؤولية قانونية عن المحتوى الذي ينشره طرف ثالث. وتتمثل إحدى الطرق لمنع مواطن من نشر أشرطة فيديو حول المعارضة السياسية في تحميل اليوتيوب المسؤولية عن المواد التي ينشرها المستخدمون.

لا تكون مبادئ العدالة بشأن مسؤولية الوسيط في أحيان كثيرة بمثل هذه البساطة. ففي بعض الأحيان تحاول حتى حكومات ذات نوايا حسنة أن تقيد السلوك الذي يعتقد المجتمع بإجماع عميق في دولة معينة انه سلوك خاطئ: الفحش، تشويه السمعة، الكلام المعبر عن الكراهية، انتهاكات الخصوصية (كما هو الحال في قضية غوغل وإيطاليا) أو النشاط الإجرامي. يرى المرء فوراً لماذا توفر هذه التقنية بديلاً جذاباً: ففي كثير من الأحيان يكون الوسيط كبيراً وتسهل معرفة هويته في حين يمكن أن يكون من الصعب معرفة مستخدمي الإنترنت الأفراد ويكونون أحياناً موجودين خارج نطاق السلطات القضائية لحكومة معينة (رغم ان ذلك لا ينطبق على قضية إيطاليا).

ومهما كان سبب سماح الحكومة بتحميل المسؤولية إلى الوسيط، فإن الضرر الكبير الواقع على تدفق المعلومات وعلى نمو الإنترنت الذي يتبعه يتجاوز الفوائد الملحوظة. أولاً، إن الحد من حرية التعبير أمر محتوم. فعلى سبيل المثال، قد ترغب إحدى منصات الشبكات الاجتماعية التي يمكن تحميلها المسؤولية عن الأضرار المالية عندما يقوم طرف ثالث بنشر محتوى يعترض عليه البعض، في التدقيق في المحتوى قبل نشره. يخطئ الوسطاء على سبيل الحذر إذا قرروا ما يجوز للمستعملين نشره ولا سيما عندما تكون القوانين التي تحدد "المحتوى غير القانوني" غامضة أو واسعة النطاق أكثر من اللزوم، أو حيث يكون الخطاب غير مستحب شعبياً. سوف تكون إزالة المحتوى موضوع النزاع عملاً أكثر أماناً من تحدي طلب إزالته أمام المحاكم. في حالات عديدة يكون مجرد الحجم الكبير والكلفة المترافقة مع تنفيذ هذه المهمة اكبر بكثير مما تستطيع منصات عديدة تحملها ولا يمكنها تقديم خدماتها على الإطلاق.

ثانياً، مسؤولية الوسيط تعطل التدفق الحر للمعلومات والخدمات على الإنترنت وبذلك تخنق الابتكار الخلاق والتنمية الاقتصادية. وينخفض احتمال قيام الشركات بالاستثمار في تكنولوجيات قد تعرضها للمسؤولية. وقد لا يتمكن العالم أبداً من رؤية برامج الغد المماثلة لتويتر، وإي باي، أو غيرها من الشركات الناشئة التي تحمل الوعد بتخفيض الأسعار وربط الأسواق العالمية بشكل أفضل، أو مبادرات جديدة قد تزيد من إمكانية الوصول إلى موارد تعليمية، أو بطرق أخرى تحفز تنمية اقتصادية أكثر اتساعاً، وعمقاً، وعدلاً.

الطرق المتبعة تجاه مسؤولية الوسيط

لقد برز إجماع مبكر حول السياسة المتعلقة بمسألة العدالة في مسؤولية الوسيط في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ففي الولايات المتحدة يعالج قانونان هذه الهواجس. يحصّن عموماً البند 230 من قانون الاتصالات الوسطاء من مجموعة مختلفة من المطالبات الناجمة عن المحتوى الذي ينشره طرف ثالث، ومن بينها: الإهمال، تشويه السمعة، وانتهاكات قوانين الحقوق المدنية والقوانين الجنائية للولايات. ويمنح البند 512 من قانون حقوق النشر في الألفية الرقمية مقدمي خدمات الإنترنت "ملاذاً آمناً" من المسؤولية في حال استوفوا معايير معينة تشمل إزالة المواد المنتهكة عندما يبلغهم بوجودها صاحب حق النشر، والمعروفة بنظام "الإشعار والشطب".

يحمي الاتحاد الأوروبي وبصورة مماثلة عدة أنواع من الوسطاء من مجموعة من المطالبات: "القنوات المحضة" للمعلومات، خدمات "الاختزان" التي تقدم تخزيناً مؤقتاً للبيانات لتسهيل نقلها اللاحق، وخدمات "الاستضافة" التي تزيل بسرعة المحتوى غير القانوني عندما تعلم بوجوده. ولأن سياسات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا تلزم بوجه عام الوسطاء بمراقبة المحتوى المنشور في خدماتهم أو التحقيق بنشاط المستخدم المحتمل أن يكون غير قانوني، فإن السياسات تساعد في حماية خصوصية المستخدم. وفي حال تعرّض مقدمو الخدمات للمسؤولية فقد يشعرون بأنهم مجبرون على جمع معلومات أكثر حول المستخدمين والاحتفاظ بتلك المعلومات لمدة أطول.

الحكومة الصينية هي من بين الحكومات التي تتبع نهجا مختلفا جداً. تفرض بكين المسؤولية عن المحتوى غير القانوني على هيئات عند كل نقطة وصول، بدءاً من المستخدم إلى مقدم خدمات الإنترنت، إلى منصة الشبكة الاجتماعية وشركة استضافة الإنترنت. وفي حال سمح أي وسيط للمستخدمين بتوزيع محتوى "ضار"، أو فشل إلى حد كاف في مراقبة أو تنظيم استعمال خدماته فقد يواجه مسؤولية جنائية أو يتعرض لإلغاء رخصة عمله. علاوة على ذلك، تحدد الحكومة المحتوى غير القانوني بعبارات واسعة وغامضة. كيف تستطيع منصة تدوين مثل بلوغر دوت كوم (Blogger.com) تحديد أي من النشرات على أنها "ضارة" أو تلحق الضرر ب"مصالح الدولة"؟ يشكل نهج الصين تجاه مسؤولية الوسيط جزءاً مكوناً رئيسياً من نظامها الأوسع المتعلق بالرقابة على معلومات الإنترنت.

معالجة مجالات دواعي القلق المحتملة

أحد الاعتراضات على حماية الوسطاء هو الخوف من ازدياد استخدام التعبير الضار والمؤذي حقاً على الإنترنت. لكن الحكومات أصبحت تملك بالفعل أدوات عديدة لمعالجة هذا القلق في الوقت الذي تقوم به فيه بالحد من تأثيره على التعبير القانوني وعلى الابتكار. فقد تعمد، مثلاً، إلى تعزيز وتقديم العون المالي كي يستعمل المستهلك طوعاً برامج تصفية تحجب المواد الإباحية والمواد الأخرى غير المرغوب فيها. وتفرض بعض البلدان أيضاً "أنظمة الإشعار والشطب" مثل الطريقة المنصوص عليها في القانون الأميركي لحقوق النشر وقانون الاتحاد الأوروبي لمعالجة هذا القلق. ولكن كثيراً ما يكون من السهل إساءة استعمال أنظمة الإشعار والشطب من اجل إسكات النقاد، ولا سيما حيث يكون من الصعب تقييم ما إذا كان المحتوى المعترض عليه غير قانوني بالفعل (كما في حالة تشويه السمعة). وأخيراً، يستطيع الوسطاء أن يتخذوا خطوات وهم بالفعل يتخذون خطوات طوعية لإزالة المواد الضارة من خدماتهم (كالرسائل الاقتحامية أو المواد الجنسية الفاضحة) بدون تفويض من الحكومة، مما يظهر ان الحمايات التي يقوم بها الوسيط تتوافق مع تحقيق التقدم للأهداف الاجتماعية المهمة الأخرى.

توجد نقطة قلق رئيسية أخرى وهي وجوب أن يكون مسؤولو فرض تطبيق القانون قادرين على الملاحقة المشروعة للمخالفين الجنائيين، ويجب ان يكون الضحايا قادرين على رفع الدعوى بشأن مطالباتهم المشروعة ضد أولئك الذين أساءوا إليهم. وهناك ناحية مهمة في الطرق التي تنتهجها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهي ان الحماية تُمنح فقط للوسيط وليس للأطراف الذين أعدوا أو نشروا المحتوى غير المرغوب فيه. ليس هناك من شيء بموجب قوانين الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي يمنع مقاضاة أو تقديم مطالبات ضد المخالف الأصلي. يتمثل أحد الأدوار الملائمة للوسطاء في تسهيل الإجراءات المتخذة ضد المستخدمين (حتى المستخدمين المجهولين) للاستجابة إلى أوامر صادرة عن محكمة قانونية، مع وضع إجراءات لحماية الخصوصية وتأمين قدر معين من عدم معرفة الأسماء.



الخلاصة

تُشكِّل حماية الوسطاء من المسؤولية أمرا حاسم الأهمية للمحافظة على الإنترنت باعتبارها أداة للتعبير الحر والوصول إلى المعلومات، وبالتالي كمحرك للابتكار والتنمية الاقتصادية. وفي حال فرضت مجالات دواعي القلق حول المسؤولية إغلاق مواقع المحتويات التي يعدها المستخدمون، والمنتديات الحيوية الأخرى للتعبير الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، فسوف نكون جميعنا في وضع أفقر. وبدلاً من ذلك، يجب على الحكومات أن تعزز وتتبنى سياسات تحمي الوسطاء كممكنين رئيسيين للابتكار، وحقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية.


منقول عن:
http://www.america.gov/st/democracyhr-arabic/2010/August/20100817083115x0.6510584.html?CP.rss=true

No comments:

Post a Comment