Friday, August 30, 2013

الحرية والعدالة والمساواة من حلم إلى واقع

احتفلت أمريكا هذا الأسبوع بالذكرى الخمسين للمسيرة إلى العاصمة الأمريكية واشنطن للمطالبة بحقوق الأمريكيين الأفارقة في الحرية والوظائف. تلك المسيرة السلمية التي شارك فيها أكثر من ربع مليون أمريكي معظمهم من السود وأعداد كبيرة من البيض عندما أتوا من أرجاء أمريكا للإستماع إلى مجموعة من الخطباء الذين طالبوا الحكومة الأمريكية بتغيير القوانين لكي يحظوا بالوعود الأمريكية: الحرية، العدالة، المساواة بناءا على ما نصت عليه وثيقة الإستقلال الأمريكية القائلة (ترجمة بتصرف): أن جميع الناس خلقوا متساويين وأن الخالق أعطاهم جميعا حقوقا معينة لا يمكن حجبها عنهم ومنها حق الحياة، حق الحرية، حق البحث عن السعادة.  

بالفعل بعد عام أي في عام ١٩٦٤ مرر قانون الحقوق المدنية الذي جرّم التفرقة العنصرية في المرافق العامة وبعدها في عام ١٩٦٥ مرر قانون حق التصويت دون استثناء وكذلك في عام ١٩٦٨ أصبح مشروع قرار الإنصاف في المنازل أو السكن قانونا يمنع أصحاب العقار من إستثناء الأقليات من الإيجار أو البيع. هذا ليس درسا في التاريخ ولكني ولأسباب أعرضها لاحقا أستذكر الحدث وخطاب مارتن لوثر كينغ الذي قال (ترجمة بتصرف): لدي حلم، أن يوما في ألاباما التي يقودها حاكم عنصري سيستطيع أن يمسك الأولاد والبنات السود أيدي أقرانهم البيض (إلى أن قال) فلتقرع أجراس الحرية (منهيا خطابه) إلى أن نغنّي جميعا: أخيرا أحرار،، أخيرا أحرار،، الحمد لله العظيم أخيرا أحرار.  

السبب في استذكاري وذهابي اليوم إلى عتبات النصب التذكاري للرئيس السابق إبراهيم لنكولن الذي حرر العبيد في القرن التاسع عشر في تلك الذكرى يوم الأربعاء ٢٨ أغسطس هو أن أرى بنفسي إلى أي درجة إستطاعت أمريكا أن تحقق أحلام القس كينغ. الجواب المقتضب هو: ربما! نعم استطاع السود الأمريكيون أن يحققوا مكاسب كبيرة على رأسها تقلد باراك أوباما الأفريقي-الأمريكي للحكم بناءا على أحقيته وقدرته وليس على لون بشرته السوداء. القوانين الأمريكية سمحت لشخص مقتدر مثله بخوض إنتخابات الرئاسة كغيره من الأمريكيين المقتدرين البيض. أصبح اللون مجرد صفة شخصية وليست وشم قاتل للأحلام أو محطم للآمال. أوباما ليس وحيدا بل هناك عدد كبير من الأفارقة الأمريكيين في مناصب حكومية وخاصة رفيعة كقضاة ورجال أعمال بالإضافة إلى ٤٤ عضو كونغرس.  

لا يعني ذلك أن أمريكا أصبحت عمياء تجاه اللون لتعطي البيض ما تعطيه للسود أو غيرهم من الأقليات. لا بل اللون ما زال عنصرا محددا في بعض الحالات منها حالات الجرائم العنصرية أو التفرقة العنصرية الإجتماعية ولكنها على الأقل أصبحت جريمة يقدم عليها مرتكوبها في الظلام والسرية وعندما يكتشفون فإنهم يعاقبون عليها. الفضل يعود للتغيير الذي طالب به الدكتور كينغ لتغيير القوانين. يبقى أن الدرس والسبب الحقيقي لذهابي إلى الإحتفال هو إجلالي لذلك الشخص الذي قاوم سلميا الوضع القائم وأحدث التغيير المطلوب دون خنوع أو إستذلال. يؤكد لي تاريخ كينغ أن المقاومة السلمية أكثر فاعلية من المقاومة العسكرية.  

فما هي عناصر المقاومة السلمية الفاعلية لكي لا نخلطها بالمقاومة السلمية الإنبطاحية الجبانة. بعض العناصر واضحة كعين الشمس منها أن المقاومة يجب أن تكون من أجل "شيئ" وليس فقط ضد الوضع الراهن. وذلك "الشيئ" يجب أن يكون إيجابيا مبني على مبادئ لا يمكن لأحد أن يعارضها كالعدالة أو المساواة أو الحرية أو رفع الظلم. ومع ذلك فلا يمكن للمقاومة أن تبقى سلمية إذا رأى الطرف الآخر أن المقاومين يهدفون إلى الثأر أو العقاب منهم. من المؤكد أن المقاومة السلمية يجب أن تكون مبنية على منهج واستراتيجية لا تحيد عن أساسيات الحق بالإضافة إلى العمل من خلال النظام القائم من أجل إحداث تغيير في الوضع الراهن.  

العنصر الأهم هو ذلك القائد ذا الصوت الرخيم الحكيم. شخص يتمتع بجاذبية القيادي الذي لا يحتاج إلى الأمر والنهر ولا يستخدم التخويف والترهيب بل يدوي صوته بالحق وليس بالصياح والصراخ. شخص يعطي أصحاب الآمال الصامتة ذلك الصدى الذي يوصل أصواتهم إلى أصحاب القرار. ذلك هو الشخص الذي يُلهم المظلومين ويعطي الحرية للملجومين فالحرية لا تنتصر لأصحابها بل أصحابها هم من ينتصرون لها. أملي الشخصي هو أن يظهر لنا قائد حكيم في كل بقعة يعيش الناس فيها في وحل الظلم والفساد فذلك ليس ببعيد في هذا العالم المتصل إلكترونيا خاصة الأصوات الحكيمة اليافعة فمن يدري لعل ذلك القائد المُلهم قد بدأ بالتحدث إلينا من خلال تويتر أو فيسبوك فلنستمع ونعي ونتحرك من أجل العدالة والحرية بسلمية وفاعلية.


نشرت أولا في إيلاف ٣٠ أغسطس ٢٠١٣ هنا: http://goo.gl/iVXEEE

No comments:

Post a Comment