Sunday, August 3, 2014

ليست هناك قضية فلسطينية


 0 1 Blogger0 0
هل فعلا القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى؟ هل هي معركة شرف من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية ورفع الظلم عن أهلها؟ أنا لا أعتقد. القضية الفلسطينية بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي هي قضية وهمية وأداة في يد حكامها مقارنة بالمعاناة التي يتكبدها الفلسطينيون على أرض الواقع في كل يوم وفي كل ساعة. لا يوجد أي تفسير غير ذلك إذا أمعنا النظر في الخطاب الديني والوطني والسياسي حول هذه القضية لأن الواقع لا يوافق الخطاب. الواقع هو أن فلسطين الدولة ليست بسمؤولية دينية لأن الدول والحدود هي بالحداثة بمكان يستثنيها من التعاليم الإسلامية، فليس هناك حكم بخصوص إصدار تأشيرة السفر ولا للجمارك ولا لنقاط العبور وبالتأكيد ليس للحدود السياسية الجغرافية. فلسطين الدولة مثلها كمثل الأندلس الذي يتغنى به الحالمون بوهم لن يعيشوه فلا مسؤولية إلهية ولا سنة تقضي بها. ولكن ربما تكون هناك مسؤولية دينية تجاه أولى القبلتين؛ المسجد الأقصى. ومع ذلك فالمسؤولية لا تجعل القتال من أجل "فلسطين" فرض عين ولا حتى فرض كفاية لأن المسجد الأقصى ليس بالضرورة أن يكون من ضمن دولة فلسطين ولا أن يكون جزءا من أي دولة. الفاتكان هو مثال جيد يبدد الصرخات التي تساوي بين المسجد الأقصى ودولة فلسطين. الفاتيكان يقع في "إيطاليا" ولكنه مستقل وذو سيادة أي أنه ليس جزءا منها. وما يحدث لإيطاليا ليس بالضرورة يفيد أو يسيئ إلى الفاتيكان. تلك البقعة "الدينية" في إيطاليا غير معنية بالتأرجح السياسي أو الاجتماعي للإيطاليين. فلماذا إذن تحرير الأراضي الفلسطينية أصبحت علة دينية نساوي بينها وبين المسجد الأقصى.
ولكنها علة وطنية، أو ربما تبدو كذلك. إنها علة وطنية فقط لأنها في مواجهة مع إسرائيل. هناك العديد من أراضي "الوطن" العربي التي تعيش فوضى الحرب والظلم والضغينة من خلال القمع والقتل والسجن والتعذيب ولكن لا يوجد من لديه الشجاعة بأن يساوي بين ما يحدث هناك وبين فلسطين، هل هناك من يقارن بين داعش مثلا والإسرائليين أو بين الأسد ونتنياهو مع المعذرة لإسرائيل ونتياهو في هذه الحالة لأن داعش والأسد أسوأ وأحقر. لن أدرج قائمة بأسماء القادة الذين يعتقدون بأن الدول التي يقودوها هي ملك خاص لهم ولن أجرؤ بأن أقول أنهم أخذوا شعوبهم من ضمن البيعة كعبيد أو أتباع؛ هل تقرؤون يالمالكي والسيسي و … سوف أحتفظ لنفسي بأسماء البقية كي لا أوضع على قائمة الممقوتين أو المستهدفين.
فإذا كانت "الوطنية" مبدأ هلاميا لا يمكننا الاتكال عليه فيمكننا القضية الفلسطينية في خانة الكرامة. نعم عندما أطلقت "الكرامة" على المعركة بين الأردن وإسرائيل في عام ١٩٦٨ (بالرغم أنها نسبة إلى قرية الكرامة ولكنها مناسبة في هذه الحالة) كانت بالفعل كذلك من أجل الكرامة. بالرغم من الإنتصار الأردني (التاريخ له أكثر من قصة ونهاية لتلك المعركة) إلا أن معظم المعارك العربية قد انتهت بانهزام الجيوش العربية بجلالة قدرهم وعدتهم وعتادهم أمام دولة حديثة وصغيرة. في نظري أنه كما يجب أن يتحلى المغلوب في المباريات بالروح الرياضية فعلى المغلوب في الحروب التدميرية أن يمتنع عن الشكوى لأنه انهزم فالهزيمة هي الهزيمة، والحرب مكر وخداع وليست فقط قوة. لو أن الحكام العرب في حينها قد أعلنوا عن رحلة سياحية مدفوعة الثمن للشعوب العربية إلى شواطئ "فلسطين" - دون أي أسلحة - لكانوا قد أخذوا فلسطيين من الإسرائيلين بمجرد تخطي الملايين للحدود الإسرائيلية مشيا على الأقدام متسلحين بالنظارات الشمسية وملابس السباحة؛ نعم حتى الإسلامية منها.
الحكام العرب لم يرغبوا يوما في تحرير فلسطين. ففيما بينهم كانت مسألة القومية العربية المسألة السياسية الأهم لأنها ستفضي إلى تحويل الحكام العرب من أنداد إلى كتلة واحدة ذات حاكم له الأولية في تمثيلهم وتغليب رأيه ورغبته عليهم. ومع ذلك لم يتجنب الزعماء النداء من أجل الوحدة العربية كل منهم يخاف من غدر الآخرين فيعمل على التغلب عليهم. لقد كان تحرير فلسطين نداءً فاعلا من أجل القومية العربية التي ألهمت خيال الشعوب العربية وألهتهم عن النظر في وضعهم وحالتهم السياسية المزرية في الدول التي ينتمون إليها. مطالب كل شعب من حكومته لم تكن لتصل إلى حد الإنتفاضة الشعبية. قبض الحكام العرب على عروشهم بقبضة من حديد ضد أي مواطن نطق بكلمة عتاب أما البقية فكانت تحلم بالإنتصار على إسرائيل وتتغنى بالقومية العربية فجلس كل زغيم عربي بارتياح على كرسي الحكم. أما الحرقة التي كانت تلهب ضمائر الشباب فكانت فأل خير لهؤلاء الحكام الذين فتحوا لآلاف الشباب الحالم الباب إلى أفغانستان ومن ثم البوسنة كي "يحرروا" ويناضلوا ويحظوا بالشهادة. بالطبع جميعنا يعرف كيف أن قصر النظر أدى إلى تكوين القاعدة ودولة الإسلام وغيرها من الجماعات الدموية المشرذمة.
إمتناع الزعماء العرب من المناداة بتحرير فلسطين والتأكيد على حرمة المسجد الأقصى أتى بعد أن نال منهم ذلك الخطاب الكثير فقد تكون منه جيش من المنتحرين المغرر بهم الذين أصبحت قبلتهم القتل والترهيب ولكن ليس للأعداء الذين يحددهم الحاكم العربي بل الحاكم العربي نفسه والنظام السياسي السائد بالإضافة إلى الشعوب العربية التي لم تنضم إليهم في مهمتهم السوداوية للإنتحار والقتل. منذ انتهاء ذكر تحرير فلسطين بدأ الشعب العربي في النظر في مرآة حاله ليجد الضغية تفيض من جنباته. سرقات الحكام وسطوتهم وعدم اكتراثهم بالشعوب التي يحكمونها أدت إلى الربيع العربي. تلك الانتفاضة المؤقتة التي تركت فراغا سياسيا ملأه أشخاص من نفس الطينة التي كانت تجلس على كرسي الحكم. بل أن هذا الجيل من حكام الربيع أسوأ من سابقيه إما لأنه أقسى أو لأن الفراغ السياسي استضاف الفوضى والمزيد من القتل والدمار والخراب في لعبة كراسي موسيقاها دوي الرصاص والتفجيرات. ذلك ما أدت إليه عقود من التغني بتحرير فلسطين ولكن أين هي فلسطين مما عليه العالم العربي الآن.
القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية وليست قضية العرب كما أنها ليست قضية إسلامية ولا وطنية ولا حتى قضية كرامة. هذه القضية الإنسانية جوهرها وأساسها هو الفرد الفلسطيني وليس التراب الذي تتحكم فيه إسرائيل وليست المفاتيح لأبواب صدئة لم يعد لمعظمها وجود وليست الحجارة التي يتكون منها المسجد الأقصى فتلك قضايا سياسية وهناك آليات لحلها والتعامل معها مع أني لست متفائلا في ظل هذه المعمعة الإستنفارية لمرحلة ما بعد الربيع العربي. أما الإنسان الفسلطيني فهو من يحتاج لمن يحارب من أجله، وليس بالسلاح بل بمحاربة الفقر والآفة وألم الشتات. اللاجئون الفلسطينيون في كل مكان هم سجناء الحالة. كما أن فلسطيني غزة يعانون من جرائم إسرائيل وجميعنا ينقهر ويغضب إلا أن اللاجئين في كل بقاع العالم العربي معذبون دون ذنب اقترفوه. يجب على الحكام العرب أن يفيقوا من استخدام القضية الفلسطينية أو الإنسان الفلسطيني كأداة سياسية وأن يدركوا كما أن الخطاب السياسي الذي انتهجوه في الزمن الماضي لتأجيج الضمير العربي إنقلب عليهم ليصبح كابوسا يعيشونه يوميا فإن الإبقاء على اللاجئين الفلسطينيين في سجون مفتوحة في أماكن متفرقة حول العالم العربي هي وضع لا يغتفر سواء كانوا في ملاجئ أو بإقامات خاصة في دول عربية. يجب أن يجد الحكام العرب أدواة ضغط سياسي أخرى غير الإنسان الفلسطيني لتحقيق أهدافهم أيا كانت وفقط حينها عندما يغضب العالم العربي لجرائم إسرائيل بحق أهل غزة من قتل وتفجير للنساء والأطفال كما يفعلون في حربهم الحالية فسيغضب العالم معنا وعندها سنكون أقرب إلى أن نوقف إسرائيل عند حدّها. حان الوقت للإنسانية أن تكون نبراسا لحكامنا ولنا. وليبقى الفلسطينيون مرفوعين الرأس في الأوطان العربية لأننا لن نقف شامخين مرفوعين الرأس طالما أننا نطأطئ رؤوسنا حرجا في حضرتهم لأننا من جعلهم أذلاء فالأعداء تلك غايتهم أما الأهل والعشيرة والإخوة فليس لديهم عذر.

وليد جواد
كاتب سعودي أمريكي
خبير تحليل الصراع وحل النزاع


نشرت أولا في إيلاف ٣ أغسطس ٢٠١٤

- See more at: http://www.elaph.com/Web/opinion/2014/8/928533.html#sthash.xJwciPIG.15FqoVBs.dpuf

No comments:

Post a Comment