Monday, December 9, 2013

سمعة السعوديين


الإتصال الخارجي من أمريكا إلى أي مكان في العالم ليس بالمكلف – شكرا لـ "سكايب" و "ماجيك جاك" وغيرهما من الخيارات. ولذلك وفي عطلة نهاية الأسبوع تختفي خطيبتي للتحدث إلى أهلها عبر سكايب لتطمئن عليهم وتسمع إلى آخر الأخبار. من تزوج من، ومن ذهب إلى أين، وماذا فعل فلان، وكيف حال علان. لا، خطيبتي ليس حجازية ولا نجدية ولا حتى عربية من الأساس. نعم هناك نوع من الألفة عندما نقترن ببنات البلد ولكن روح المغامرة تتغلب عندما نجد رفيق الروح في الغريب؛ خطيبتي أمريكية من أصول جنوب أفريقية – السؤال المحير هو: هل هي بيضاء أم سمراء؟ سأترك للقارئ الاستمتاع بالحيرة.

إعتزمنا زيارة والديها الصيف المقبل في بريتوريا لكي أتعرف على  العائلة ولكي تتاح لهم الفرصة ليطمئنوا على إبنتهم. تلقوا خبر الزيارة في محادثة "سكايب" السبت قبل الماضي بسعادة بالغة. ولكن في محادثة هذا الأسبوع "راحت السكرة وبدأت الفكرة" كما يقول المثل فكان السؤال الدبلوماسي الأول من والدتها "ماذا يأكل وليد – لحم خرفان؟" بعد نهاية المحادثة سألت خطبيتي "لماذا سألت والدتك ذلك السؤال؟" بدأت بتفسير السؤال لتشرح أن سمعة السعوديين في جنوب أفريقا ليست بالسمعة الجيدة وأن ذلك ليس أهم شيئ طلما أنها ستقوم بواجب الضيافة بتوفير اللحم الحلال مثلا. استغربْت لكون أن هناك سمعة للسعوديين هناك في الأساس فضغط عليها كي تخبرني عن تلك السمعة.

قالت لي أن العديد من الجنوب أفريقيين يعملون في السعودية ولكنهم – في العموم – يعودون إلى بلدهم محملين بقصص سلبية عن السعودية وأهلها. “مثل ماذا؟" كان سؤالي لها. في الحقيقة لم يعجبني ما سمعت ولن أغوص في تفاصيله هنا ولكن من الواجب علي أن أشارك أبناء جلدتي تلك "الملاحظات" إن جاز التعبير، فلا يمكن للسعودية أن تتقدم دون أن "تواجه شياطينها" كما يقول المثل الأمريكي "face your demons”.

أذكر هنا أن خطيبتي عاشت في الأردن والعراق والكويت بالإضافة إلى زيارات لفترات متفاوتة لدول شرق أوسطية أخرى لكنها لم تزور السعودية قط وأن كل ما تعرفه عن المملكة كان من باب القيل والقال ومن خلال الأخبار والمقالات الصحفية ومؤخرا من خلال معرفتها بي وبعائلتي. على العموم؛ قالت أن   السمعة هي أن الرجال السعوديين متسلطين وظالمين لنسائهم وأنهم متطرفين دينيا وغير منفتحين ذهنيا. ثم بدأت بالمزاح بقولها أن أهلها لا يعلومون ما إذا كانت ستعود إليهم بحجاب أو أنها ستعتنق الإسلام. ثم ذكرتني بأن سمعة التسلط هي السمعة السائدة "لا تنسى أن الناس يظنون بأنكم تستقدمون  الخادمات وتستغلونهم كعبيد كأنهم ملك أيمانكم".

قلت كاسرا لحدة الجدّية "ولا تنسي بئر البترول في الحديقة الخلفية" ثم عاد النقاش إلى الجد لتقول "لا يمكنك أن تلومهم فهم لا يعرفون ولو شخص سعودي واحد وأنهم ليسوا من المهتمين بالمملكة". ذلك صحيح فكون السعودية بلد منغلق على نفسه يجعل من الصعب على أي باحث عن الحقيقة أن يرى جوانب الدولة الإيجابية. كما أن العديد من السياح السعوديين هم أسوأ سفراء للبلد بإسرافهم واستحقارهم لأهالي الدول التي يزورونها. العديد منهم يختلط عليه كرم الضيافة والتواضع فيعتقد أنه يشتري الناس بماله في بلدهم. هؤلاء هم الذين لا يستثمرون الوقت ولا العناء في فهم قوانين البلدان التي يزوروها فيقعون في الخطيئة ويتسببون في الإساءة إلى بقية الشعب السعودي لسذاجتهم وجهلهم أو لعنجهيتهم واستكبارهم.

هذا ليس كل شيئ فأنا  كسعودي لدي العديد من الإنتقادات التي تغوص في أعماق هذا المجتمع وليس فقط في القصص العابرة التي تهدف إلى "شيْطنة" الشعب السعودي. أنا على علم بأن هناك من سيتهمني بعرض "غسيلنا" على الملأ إلا أنني لن أجاهر بالنصيحة هنا، لعلي أقوم بذلك في المستقبل القريب؛ ولكن ليس اليوم.

اليوم؛ سأقول أن لو المشاكل هي فقط تلك التي تدور في فلك السمعة والقصص المشاعة لكانت "محلولة" إلا أن المشاكل تتعدى ذلك إلى عدم وجود دستور (أو ملكية دستورية)، وسوء توزيع ثروة البلاد التي تؤدي إلى تفرقة إجتماعية بناءً على الدخل بين الأغنياء والمغلوبين على أمرهم، وإنعدام النظام القانوني المستقل العادل إلاّ المبني على أهواء القضاة وليس كلهم من أصحاب الحكمة والعقل. بالطبع القائمة تطول ولكن يجب حل المشاكل الهيكلية أولا لأن ذلك سيؤدي إلى إنهاء المشاكل الثانوية واليومية. هل قيادة المرأة للسيارة إحداها؟ بالتأكيد ولكنها مشكلة ثانوية أساسها يكمن في عدم إعطائها الإستقلالية ولا الأهلية.

سؤالي الأخير لخطبيتي "ما رأيك في السعوديين الآن بعد أن تعرفتي علي؟" صمتت للحظة ثم قالت "أنتم شعب ثري بألوانه وأطيافه هناك الكثير من الخير ومجال كبير لإحراز الإنتصارات". نعم ذلك صحيح فمن الصعب أن لا تحرز السعودية تقدما وهي في قاع العديد من القوائم العالمية مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير والحرية الدينية إلخ. في النهاية سألتني ضاحكة "إذن أنتم تأكلون غير لحم الخراف؟" قلت لها "أنا آكل بالإضافة إلى لحم الخروف ما يألكه غيري من البشر فسعوديتي ليست إقصاءُ بل إثراءً"
   

No comments:

Post a Comment