Saturday, September 14, 2013

حرق القرآن؟ خليه يموت قهر!


هل سمعت عن مدينة مولبيري في ولاية فلوريدا؟ أنا شخصيا لم أسمع بها من قبل ولا بمعدن قرابة ٤٠٠٠ آلاف شخص هم سكان المدينة. كما أنني لا أعلم الكثير عن المقاطعة التي تقع فيها هذه المدينة والمعروفة باسم بولك. ولكن كلنا سمع بالقس تيري جونز المحارب للإسلام بعروضه الدراماتيكية لحرق القرآن. في يوم الأربعاء الماضي كانت المواجه بين سكان مدينة مولبيري وذلك القس عندما حذرته الشرطة من عدم خرق قوانين الولاية.

كما هي عادة جونز في كل عام في ذكرى ١١ سبتمبر يستجمع القس الـ ٥٠ شخصا من أتباعه في عرض لحرق القرآن. كانت البداية بقرآن واحد ولكن ذلك لم يعد كافيا بعد أن خمد لهيب التغطية الإعلامية فأراد أن يحرق ٢٩٩٨ قرآنا هذا العام. سر ذلك العدد أنه عدد الذين قتلوا في الهجمات الارهابية على أمريكا قبل ١٢ عام. سؤالي هنا هل يشمل ذلك العدد الأربعين مسلما من أعضاء الدفاع المدني لمدينة نيويورك والعاملين في مبنى التجارة العالمي الذين قضوا في ذلك اليوم؟ على أي حال قرر جونز أن يذهب إلى مدينة مولبيري آخذا معه منقلا (أو شواية\كانون) كبيرا محملا بالـ ٢٩٩٨ قرآنا المغمورين في الكيروسين لإشعال النار فيه. بمجرد إقترابه من الحديقة التي إختارها لإحراق القرآن أوقفه فريق من الشرطة وألقوا القبض عليه بتهمة نقل مواد مشتعلة على الطريق السريع مخالفا بذلك قانون ولاية فلوريدا.

الغاية تبرر الوسيلة؛ الغاية هي رغبة أهالي مقاطعة بولك منع تيري جونز وأتباعه من جرهم في وحل الكراهية ومعاداة الإسلام. الوسيلة كانت قانونية مع أنها لم تكن بإيقافه عن التعبير عن رأيه والمضمون بنص الدستور الأمريكي ولكن بعرقلة خطواته ومخططه. لقد حاول الأمريكيون ثني القس عن الكراهية بشكل مباشر عبر السنين حين ذكره الرئيس الأمريكي أوباما بالقيم الأساسية التي قامت عليها أمريكا وأهما الحرية الدينية فقد كانت أمريكا تاريخيا مأمنا لكل من حورب لمعتقد ديني. كما تحدث إليها وزير الدفاع روبرت جيت كذلك ولكن تجاوبه كان مؤقتا فعاد إلى تصريحاته النارية وأفعاله المسرحية الدراماتيكية. لقد سئم الأمريكيون من أفعاله ولذلك قرر أهل مولبيري استخدام الأدوات المتاحة لديهم لكي يقفوا أمام أفعال القس الهوجاء وبالفعل حققوا ذلك.

هناك تساؤل يطرح نفسه حول مبدأ حرية التعبير وما إذا كان يؤمن أهالي تلك البلدة بالقيم الأساسية للولايات المتحدة وبالأخص مبدأ حرية التعبير؟ لا يوجد أي شخص عاقل يجرؤ على سلب حق حرية التعبير من أي شخص آخر في أمريكا لأن استثناء شخص أو مجموعة ما سيفتح الباب لاستثناء أشخاص آخرين ومن المؤكد أن الدور سيأتي على الذي بدأ بدحرجة كرة الثليج الإقصائية هذه. لم يمنع أهل مولبيري القس تيري من التعبير الحر عن آراءه الملتوية ولكنهم وجدوا عذرا قانونيا لثنيه عن إكمال خطة. لا بد وأن المبدأ الذي أعطاهم الحق في حجب حق التعبير عن تيري جونز هو مبدأ "الخير العام". من المؤكد لأن بعض المبادئ الأساسية تؤدي إلى ضرر في بعض الحالات الاستثنائية. مبدأ "الخير العام" يضع الحقوق والمسؤليات في نصابها عندما يكون الإلتزام بمبدأ مثل حق حرية التعبير يؤدي إلى إثارة الفتنة في المجتمع. ولكن ذلك مبدأ شائك وربما يؤدي إلى الانزلاق إلى حالة من الفساد الأخلاقي عندما يساء استخدامه في محاولة لسلب حقوق الأقليات أو لتهميش بعض الجماعات أو لإبقاء أفراد طبقة معينة في مكانة سلطوية لتحقيق أفضلية لا يستحقونها. يبقى أن في هذه الحالة بالذات يكون استخدام أهل مولبيري للقانون من أجل تحقيق غاتهم بالفعل هو الخيار الأصوب فعلى أقل تقدير كان بالامكان لتيري جونز أن يتجنب ذلك لولا استهانته بالقوانين المحلية.

متابعة جونز وأفعاله تؤكد لي أن إعطاء الأغبياء الإهتمام الذي يصبون إليه هو إعطاءهم أكبر من حجمهم ووقوعا في فخ لا يجوز للحكيم أن يقع فيه، وأن أفضل وسيلة لمحاربة المؤججين للفتن هي بتجاهل أقوالهم وأفعالهم طالما أنها كانت في حدود الدراما الهادفة إلى اجتذاب الأضواء. أعترف أني وقعت ضحية بالكتابة عنه وعن أفعاله ولو جزئيا، ولكن عزائي أني تعلمت الدرس ولن أعطيه أكبر من حجمه لكي يعيش في ظلمة عدم الاكتراث الاعلامي – أو كما يقال “خليه يموت قهر”!



نشرت في إيلاف ١٤ سبتمبر ٢٠١٣ http://goo.gl/DgEVKH

No comments:

Post a Comment